من خلال السطور الموالية أحاول أن ألخص محتوى البحث، مع تبيان النتائج التي توصلتُ إليها.
كما تمّ بيانه فإنّ موضوع البحث حول أصناف المدعويون في المجتمع الإسلامي وأساليب دعوتهم، فركّزنا على تناول أهمية الدعوة الإسلامية وحاجة المجتمع الإسلامي إلى كثير من التصحيح في كثير من المجالات، من أساسه العقدي إلى المجال السلوكي والأخلاقي، وبعد الوصف لتدهور حال المسلمين وانتشار الفساد وضرورة اهتمام الدعاة بالمجتمع الإسلامي قبل دعوة غير مسلمين إلى الإسلام، من باب ترتيب البيت من الداخل، بل إن الأولوية لإصلاح المسلمين حتى يُصبحوا قدوةً و دُعاةً بأنفسهم لغيرهم بأخلاقهم العالية، ونجاحهم في الحياة بالنزاهة في العمل والإخلاص فيه والدعوة بالقدوة الحسنة التي تعدّ من أنجح أساليب الدعوة.
وبما أن تعريف هذه الأصناف مبيّن ضمن البحث، ويطول عرضه، نقتصر هنا على ذكر أساليب الدعوة مع التركيز على الوقاية وهي الغاية من هذا البحث كله، إذ توصلنا إلى أنّ هناك أساليب مشتركة يُوظفها الداعية في كل خطاباته فيستفيد منها كل صنفٍ، ومرجع ذلك أن الحضور من المستمعين في أي مناسبة أو مكان يكون عامًا وشاملاً لكل الأصناف، وقد يستحيل أو يصعب فرز كلّ صنفٍ على حدة، إلا في حالات الدعوة الفردية فيُوجه الداعية خطابه إلى منافقٍ أو عاصٍ أو مقتصدٍ أو مهتدٍ، فيخصه بما يليق به دون غيره.
أولا : الأساليب المشتركة في الدعوة
1 ـ تصحيح العقيدة وترسيخها في القلوبِ: من حيث أنها اعتقاد بالقلب وقولٌ باللسان وعملٌ بالجوارح، فإذا صحت العقيدة صحت أعمالُ المسلم، لأن العقيدة الصحيحة تحمل العبد على الصلاح وتُوجهُهُ إلى الخير و الأفعال الحميدة.
2 ـ العودة إلى القرآن: القرآن الكريم هو الرسالة الإلهية الخالدة ومنهج الاستقامة و الهداية، وهو خير ما يثبّت في النفس عقيدة الإيمان بالله و اليوم الآخر، فالقرآن مصدر الهداية، فمن طلبها أو تحدّث عنها دون الرّجوع إلى مصدرها الحصين لم يُؤمَن عليه الزَّيغُ. تعجب الشيخ بيوض ممن يتكلّمون في موضوع الأخلاق والقيّم والسلوك دون استدلالٍ بآية أو حديث،فاعتبر ذلك هجرانًا للقرآن،[1] فإذا تعلق قلب الإنسان والطفل منذ نشأته بالقرآن، كان ذلك ضمانًا بإذن الله لهدايته واستقامته وسعة أفقه ونقاء سريرته، وإذا فتح الطفل عينيه على أيات القرآن فإنه لن يعرف مبدأ يعتقده سوى مبادئ القرآن ولن يعرف تشريعًا يستقي منه سوى تشريع القرآن.
3 ـ الفهم الشمولي للإسلام منهج للحياة: الشمولية تعني اقتضاء الإيمان العمل في كلّ جوانب الحياة الروحية والمادية، فلا يوجد في التصور الإسلامي نشاط إنسانيّ لا ينطبق عليه معنى العبادة، بل إن غاية الوجود الإنساني في الحياة تحقيق العبودية لله، فبهذا التصور يُفهم كمال الدين و تتجلى روحه في حياة الأمة.[2]
من يتعمق في الجانب التطبيقي للإسلام من خلال السيرة النبوية الشريفة يرى كيف كان يتعامل عليه السلام مع النفوس البشرية المتباينة فكرًا ومزاجًا ومكانةً، وكيف كان يعطي لكل ذي حق حقه، حق الله عز وجل وحق الأهل وحق الأمة وحق الصغير وحق النفس ... إلخ، كلّ هذا كان بالفهم الشمولي العميق للإسلام ولنا في رسول الله عليه السلام أسوة حسنة.
4 ـ المشاركة في وجود البديل الإسلامي : لقد آن للمصلحين أن يستفيقوا من نومهم لإنقاذ شبابنا و فتياتنَا من مأساةٍ فكريةٍ تعصف بهم ذات اليمين وذات الشمال، وذلك بتوفير حلولٍ إسلاميةٍ هادفةٍ ومشوقة ومشاريع تربوية وترفيهية وبدائل عن تلك الأهواء السافلة بمُثل منضبطة بميزان الشريعة، وبتشجيع أصحاب الحلول المنتجة وأهل الثراء والمال وأصحاب الأفكار الإبداعية والمشاريع الابتكارية، وليست الدعوة فقط بالمحاضرات والخطب أو بالدروس والفتاوى فحسب، بل إن الدعوة هي استخدام جميع الوسائل المشروعة والمتاحة لتحبيب الإسلام واستمالة الناس له، فيجب تشجيع الشباب المخلصين بإيجاد البدائل الشرعية وإنتاج المشاريع والبرامج الجذابة والموافقة لروح الشريعة.
ثانيًا :الأساليب الخاصة في الدعوة
هذه الأساليب التي نخصّها للدّاعية كي يُراعيها كلما سمحت له الفرصة في مخاطبة صنفٍ في معزل عن باقي الجماعة، كمخاطبةِ فردٍ أو جماعةٍ معينةٍ، عُرف عنها صفة من الصفات السابق ذكرها.
1ـ الدعوة الخاصة بالمنافقين: تذكيرهم بما سيكون لهم من العذاب الشديد في اليوم الآخر، وتذكيرهم بعلم الله الشامل فإن الله علاّم الغيوب مطلعٌ على السرائر، والغلظة عليهم في معاملتهم في الحياة الدنيا، وعدم التساهل معهم، وزجرهم في كل مرة تظهر عليهم علامات النفاق، ومواجهتهم بعدم قبول نفقاتهم.
على الدعاة تبيان صفات المنافقين المفضوحة في القرآن الكريم، مع العلم أنه يصعب على الدعاة كشف خبايا النفاق والمنافقين، فهي خفية ومتقلبة ولأن مواقف المنافقين في زمن الرسول عليه السلام كان يكشفها الوحي ويفضحها واليوم قد انقطع الوحي، والمسلمون مكلفون بالتعامل مع بعضهم بالمظاهر والله يتولى السرائر. والمؤمنون مأمورون بالإعراض عمن ظهر نفاقه بالقول أو بالفعل، إعراض مقت واجتناب، وعدم إظهار المودة لهم، كما أمر الله عز وجل باعتزال مجالس المنافقين التي يُستهزئ بآيات الله فيها.
كما يُذّكر المؤمنين بأن يحذروا من الوقوع في مسالك النفاق، حيث كان الصحابة في خوف دائم، ومراجعة أنفسهم بالعودة إلى الله والإنابة إليه دائما.
2ـ الدعوة الخاصة بالعصاة:
لقداستعمل القرآن الكريم عدة أساليب يدعو فيها العاصي الغافل إلى التوبة ولإنابة، وقد ورد ذلك في عدة آيات، حيث فتح باب التوبة والمغفرة والرحمة بشتى الأساليب والأمثلة، فمن الأساليب مثلا :
ـ أسلوب التذكير بالإيمان بندائه في عدة آيات ( يَآ أَيـُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ ).
ـ أسلوب الترهيب والعتاب، والتذكير بالعذاب الشديد الذي ينتظر من حاد الله و رسوله، وأيضا استعمل القرآن الكريم أسلوب الترغيب في خطاب العصاة لتلين قلوبهم، وتطمع في رحمة الله الواسعة.
- ومن الأساليب في دعوة العاصي الحث على التوبة من خلال السّنة النبوية العطرة، الحافلة بما يُلين القلوب للتوبة . كما أن رفع الجهل عن العاصي من أهم الأسباب في هدايته.
ـ من أهم المواقف التي ينبغي للداعية أن يستغلها، الفرص والمناسبات لربط التوبة بها، وهي ما يسمى ” الرسائل الربانية ” فما أكثرها من رسائل ربانية تمر علينا ليل نهار، قد ننتبه لها ونعتبر وقد تمر علينا مرور الكرام، فأحيانا يكون سبب التوبة حادث، أو وفاة أحد الأقارب، فهنا يكمن دور الداعية في ربط مثل هذه الأحداث بالعودة إلى الله.
ويمكن للداعية أن يدعم دعوته لتوبة العصاة باستعمال الإعجاز العلمي، في بيان الحكمة من التشريع الإلهي فيما حرم الله عز وجل، مثل ما أثبت العلم والطب ضرره الصحي كالخمر والتدخين والزنا ... وضرره الاقتصادي والاجتماعي كأكل الربا ...إلخ.
3ـ الدعوة الخاصة بالمقتصدين:
الأسلوب الذي يجب أن يتبعه الداعية في أوساط المقتصدين هو أسلوب الترغيب والتشويق للجنة ورضوان الله، فمهمة الداعي في هذا الجانب أن يذكر المسلمين بمراقبة الله لهم دائمًا، ويجددوا إيمانهم ليرتقوا من مستوى المقتصدين إلى المهتدين، والمسارعين في الخيرات، الذين وصفهم القرآن الكريم.
كل هذا يدل على أن المؤمن يحتاج إلى تذكرة وموعظة، بين الحين والآخر، حتى لا تَغلبَ عليه الغفلة، والانغماس في أمور الدنيا، لأن الإيمان إن لم يُنمى في القلب تراجع وضَمرَ. والله سبحانه و تعالى يرسل إلينا رسائل، بين الحين والآخر تذكرةً وموعظةً، إلا أنه لا يفهمها الكثير، لذا فدور الداعية هنا يتمثّل في: تحسيس المؤمن بتلك الرسائل الربانية، كالابتلاء في النفس أو المال أو الولد أو الصحة.
4 ـ الدعوة الخاصة بالمهتدين:
أسلوب دعوة المهتدين هو أسلوب تذكيرٍ ومحافظةٍ واستمرارٍ على الالتزام في طريق الله، لأن الإيمان يَبلى كما سبق أن ذكرنَا، ولأنّ النفس تُقبل وتُدبر وتضعف عند المحن أحيانًا. فالأوقات الحرجة وعند الشدائد فرصةٌ للداعية أن يتوجه إلى مدعويه بالشحنات الإيمانية وعدم القنوط من رحمة الله بشتى الطرق والأساليب، منها ذكر قصص من قبلنا وما مسهم من الابتلاء، وكيف كانت علاقتهم بالله عز وجل، وأيضا عليه أن يَبُثَّ في نفوسهم الأمل ويبين لهم أن رحمة الله واسعة وأنّ بعد العسر يسرًا.
وعلى الداعية في وسط المهتدين أن ينبه أن المؤمن الحقيقي هو الذي يدع سبعين بابا من الحلال مخافة الوقوع في الحرام، كما أن المسارعة في الخيرات من أبرز صفات المهتدين الملتزمين لذا يُستحسن للداعية أن يشحذ الهمم، ويُحفز المؤمنين إلى المبادرة في الخير والاستكثار منه، والاستزادة من خصال الإيمان باستمرار، ويصل إلى درجة الفّار إلى الله، الذي يرى إلى الدنيا بنظرة الآخرة ويقيس الأمور بمقياس الجنّة والنّار لا غير.
وفي الأخير أتوجه بالشكر كله لله عز وجل بأن و فّقني وهداني لإنجاز هذا البحث المتواضع الذي أحاول أن أسهم به في مجال الدعوة إلى نور الله ورضوانه، كما أتوجه بالشكر الجزيل إلى الأستاذ المشرف الذي زاحمه بحثي هذا مشاغله، كما أنه أضاف إليه الكثير من الملاحظات والتصويبات، والشكر الجزيل لكل من ساندني بالكلمة الطيبة والدعاء.
[1] ـ د . حمو بن عيسى الشيهاني ـ الفكر العقدي عند الشيخ بيوض ـ ص 168 .