كلية المنار للدراسات الإنسانية

قراءة في قصيدة: الذّبيح الصّاعد (ملخّص)

د. محمّد بن قاسم ناصر بوحجّام

الثلاثاء 12 ديسمبر 2012

6143

0

قراءة في قصيدة: الذّبيح الصّاعد (ملخّص)

في ما يلي ملخّص المحاضرة التي ألقيتها بندوة " البعد الوحدوي في النّضال المغاربي" المنعقدة يومي الإثنين والثّلاثاء: 12 – 13 من محرّم الحرام 1434هـ/ 26 – 27 من  نوفمبر  2012م، بكليّة الآداب والعلوم الإنسانية جامعة الحسن الثّاني بالدّار البيضاء عين الشّق بالمملكة المغربية الشّقيقة. من تنظيم مؤسّسة الزّرَقْطوني للثّقافة والأبحاث من المغرب، ومؤسّسة مفدي زكريّاء من الجزائر.

 

     قصيدة " الذّبيح الصّاعد " هي أحسن مثال يبيّن رسالية الشّاعر مفدي زكريّاء بما نظمه شعرًا. لتخليد ذكر  الشّهيد " أحمد زبانا "، البطل الذي كانت نهاية حياته بالمقصلة، التي دشّن بها أسلوبًا جديدًا، ابتكرته وحشية فرنسا الغاشمة  لتتخلّص من الوطنيّين الذين دوّخوها بنضالهم، وبطولتهم التي أصبحت خطرًا على وجودها في أرض الجزائر. إلاّ أنّ وصف الحدث المأسوي تحوّل إلى رسائل عالية الدّلالة، غالية الأهداف، بعيدة المرامي.

    إنّ مفدي زكريّاء في قصيدة " الذّبيح الصّاعد " لا يصف مأتمًا، إنّما يقدّم صورة عن لحظات الفرح والسّرور، التي أحاطت بالمناضل أحمد زبانا، وهو يتقدّم ليلقى مصيره. أي هو ذبيح شهيد صاعد إلى حيث العلوّ والرّفعة؛ لذا فكلّ ما تناوله الشّاعر هو رسائل موجّهة محدّدة الأهداف..

      محور القصيدة هو النّظرة إلى الاستشهاد أنّه شيء إيجابي للثّورة، وعامل من عوامل الرّضى على النّفس: أنّها قائمة بواجبها. انطلاقًا من المقولة: اطلب الموت توهب لك الحياة؛ إذ أنّ الحياة الحقيقية هي حياة الاطمئنان وراحة البال اللّذين يحصلان  بعد تأدية الواجب. الحياة الهّنيئة توهب للشّخص في الدّنيا إن أخطأه الموت، أو يبقى حيًّا يرزق فرحًا بما أتاه الله من فضله، إن استشهد والتحق بجواره. هذه النّظرة رسالة موجّهة؛ لتستمرّ الثّورة بإقبال المجاهدين على التّضحيّة بحياتهم فداء للجزائر. وفيها إظهار قوّة العزيمة والإرادة والتّحدّي التي ترهب العدوّ.

      بيّن الشّاعر أنّ زبانا  بطل كبير، ثبت في ميدان الكفاح، وصمد في وجه العدوّ، ولم ينل منه أيّ تهديد أو تنكيل. أراده مفدي زكريّاء أن يكون مثالاً  لرفاقه المجاهدين الذين ما يزالون في الميدان يناضلون ويقاومون. يريده الرّجل الذي يقتدى به في التّحدّي وعدم المبالاة بما يناله ويصيبه في سبيل استرجاع الحقّ المسلوب. أي هو بصورة المسيح المستلهمة رمزُ التّضحية والفداء، وعدم الخوف من الموت في سبيل المبدأ. وطلب الحقّ.

    في القصيدة عرض للممارسات الوحشيَة التي ارتكبتها فرنسا ضدّ أحرار الجزائر، وسرد للمفارقات الغر يبة التي تحدث في أرضها؛ إذ ينعم الغريب الدّخيل المستبدّ المتعدّي بخيرات البلد، بينما القريب ابن الجزائر محروم منها، بل معذّب بها في وطنه وعلى ترابه....

    لكنّ هذا التّعسّف لم ينل من عزيمة الجزائريّين شيئًا. بل كان هذا الظّلم محفّزًا الجميعَ كي يلتفّوا حول حقّهم المسلوب، وهو النّعيم بالحريّة والانعتاق. فكان الشّباب والكهول والشّيوخ والصّبايا والنّساء...في خندق واحد، حاملين لواء الثّورة على العدوان والطّغيان. وكان المثل في هذا التّحدّي وهذا الإصرار على الكفاح هو أحمد زبانا. الذي حاول الشّاعر من خلال تقديم صورة عن مشهد إعدامه أن يغتال معنويات العدوّ أمام المجاهدين، وفي الوقت نفسه يزرع الأمل في قلوب المناضلين، ويقوّي روح التّضحية في نفوس المجاهدين، ويأخذ العهد منهم على مواصلة النّضال إلى حين استرجاع البلد من المعتدين..

      بهذا التّصوير قدّم مفدي زكريّاء للمخاطبين رسائل كثيرة في هذه القصيدة: رسائل توضيح وتصحيح، وتحميس وتثبيت، وتسجيل بطولة وإقدام وشجاعة، وأخذ عهد، واستنفار وشحذ همم، وتحدٍّ وصمود...كلّ ذلك كان وقودًا تحتاجه الثّورة في هذه الفترة المبكّرة من حياتها؛ لتزداد اشتعالا، فتلهب الحماسة في أبنائها ليثبتوا في ميدان الكفاح، وتلهب جسوم الأعداء فيحترقون بنارها.

     حقيقة الأمر هي تأثّر الشّاعر بإعدام رفيقه في الدّرب والنّضال، وصاحبه في السّجن (أحمد زبانة)، وغاية  النّظم رسالة موجّهة إلى النّاشطين في الميدان كي يواصلوا الكفاح، ولا يتأثّروا بأعمال التّنكيل والقهر والاضطهاد...وبذلك يتواصل الشّعب مع مجالات الكفاح، ويواصل دربه في الجهاد بقوّة الإيمان، وسلاح الإرادة، ونظرة التّفاؤل والأمل، ومفهوم الاستهانة بالموت، وقاعدة احتقار العدوّ والتّهكّم منه.. ومنهج الانطلاق من المبادئ الثّابتة، والانشداد إلى  الأهداف الصّحيحة الواضحة..

أضف تعليقا