كلية المنار للدراسات الإنسانية

مقال بعنوان: “أساليب تربوية لتنمية المهارات الاجتماعية للأطفال بالمراحل التعليمية الأولى”

برنوص وسيلة بنت محمد

الجمعة 10 أكتوبر 2025

25

0

مقال بعنوان:  “أساليب تربوية لتنمية المهارات الاجتماعية للأطفال بالمراحل التعليمية الأولى”

مقال بعنوان:  “أساليب تربوية لتنمية المهارات الاجتماعية للأطفال بالمراحل التعليمية الأولى”

 

تشهد مرحلة الطفولة نموا سريعا وتطورا ملفتا وتطرأ عليها تغيرات عديدة ، ولعل من أهم التطورات التي تحدث بهاته المرحلة هي الدائرة الاجتماعية للطفل؛ حيث تقتصر بالبداية على الوالدين والإخوة، ومع مرور الوقت يقل اعتماد الطفل على والديه بشكل جزئي، وتبدأ ملامح شخصيته الاجتماعية بالظهور، ويزيد فضوله على التعرف على العالم الخارجي المحيط به، فتتوسع دائرته الاجتماعية  تدريجيا، بداية من أقرانه بالحي، جيرانه، أقاربه،...حتى يصل إلى سن التمدرس فيلتحق بالمدرسة والتي تعتبر لحظة فارقة في حياته؛ حيث سيبتعد عن والديه بعد أن كان متعلقا بهما، ويبدأ اعتماده على نفسه، وسيكتسب شخصيته الاجتماعية التي تميزه عن غيره وتبرز أكثر بعد تعرفه على المحيط التربوي (معلمين، تلاميذ)، وهنا سيبدأ التفاعل مع الغير،اكتساب الصداقات،وبناء العلاقات الايجابية مع الزملاء، وهذا كله يتطلب تنمية المهارات الاجتماعية بالطفل.

وتُعد المهارات الاجتماعية بمثابة جسر يربط الطفل بمجتمعه، فهي الدعامة الأساسية لتكوين شخصية اجتماعية متزنة، تُكسبه القبول لدى الآخرين، وتساعده على بناء علاقات ناجحة، كما تُمهّد له الطريق نحو النجاح في مختلف جوانب حياته.

وقد أولت الدراسات التربوية اهتمامًا بالغًا بالمهارات الاجتماعية، لما لها من دور محوري في تنظيم علاقات الطفل في مختلف المواقف، كما يسهم اكتساب هذه المهارات بشكل فعّال في تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي، بالمقابل، إن عجز الطفل عن اكتسابها قد يولد له مشاكل واضطرابات اجتماعية مستقبلا، وقد تؤدي لاحقا إلى العزلة والانطواء، وتزيد احتمالية اصابته بالامراض النفسية كالرهاب الاجتماعي والخجل المبالغ فيه وما إلى ذلك، لهذا نتسائل؛ ما هي مظاهر العجز باكتساب المهارة الاجتماعية؟ وكيف نتفادى ذلك العجز من خلال تنمية المهارات الاجتماعية عبر أساليب تربوية فعّالة؟

أولا: تعريف المهارات الاجتماعية

يرى محمد السيّد (1997، ص 245) أن المهارة الاجتماعية هي استطاعة الطفل الاستهلال بالتفاعل مع الغير، وكذا الافصاح عن مشاعره الإيجابية والسلبية، والقدرة على ضبط انفعالاته في المواقف الاجتماعية المختلفة وبما يتماشى مع طبيعة الموقف (سلامة، 2014).

ثانيا: مظاهر العجز باكتساب المهارات الاجتماعية:

حسب جريشام (1986) فإن القصور بالمهارات الاجتماعية ينقسم إلى أربع مظاهر،  وذكرتها الخفاف (2013) على النحو التالي:

العجز بالمهارة الاجتماعية:

هناك من الأفراد من يعاني من صعوبات أثناء التفاعل مع  غيرهم، ويعود ذلك إلى نقص المهارات اللازمة للتفاعل، وغالبا ما يفضل هؤلاء الأفراد الابتعاد عن التحدث والتواصل مع غيرهم ويفضلون العزلة.

العجز في أداء المهارة الاجتماعية:

هناك من الأفراد من تكون مهاراتهم الاجتماعية جيدة ومقبولة، لكنهم يعانون من صعوبة إظهارها أو ممارستها بالشكل المطلوب، ويعود ذلك إلى عدم وجود دافعية وحافز للقيام بذلك السلوك؛ بمعنى أن المهارة موجودة لكن التطبيق العملي منعدم.

العجز بالتحكم الذاتي المرتبط بالمهارة الاجتماعية:

هناك بعض الأفراد الذين تنعدم عندهم المهارة الاجتماعية اللازمة لموقف معين، وذلك بسبب وجود ردات فعل انفعالية سلبية تحول بين الفرد والمهارة الاجتماعية المراد القيام بها، مثل الخوف أو القلق والتوتر.

العجز بالتحكم الذاتي عند أداء المهارة الاجتماعية:

هناك من يمتلك مهارات اجتماعية مميزة ويديرها بمهارة وبراعة وإتقان بالأداء، لكن لا يُظهرها في المواقف الاجتماعية التي تحتاج لتلك المهارات، والسبب هو وجود استجابات انفعالية سلبية  لمواقف سابقة مماثلة للموقف الحالي، مثلا طالب يمتلك مهارة الحوار والمبادأة به في مواقف التفاعل مع الزملاء، لكن سبق وأن لاقى سخرية أو ردة فعل سلبية من غيره عندما أظهر تلك المهارة، فبالتالي لن يُظهر تلك المهارة لاحقا إن سقط بموقف آخر مماثلا له، وقد يؤدي ذلك إلى انسحابه من تلك المواقف لاحقا خوفا من تلك الاستجابات.

ثالثا: أساليب  تربوية فعّالة لتنمية المهارات الاجتماعية:

تعددت الأساليب والوسائل التربوية التي تُسهم في تنمية المهارات الاجتماعية وتعزيزها، وكل أداة من هاته الادوات لاتقل أهمية وفاعلية عن غيرها، حيث تسعى كل واحدة منها لتطوير جزءا من المهارات الاجتماعية وبهذا تكون هاته الأساليب مكملة لبعضها البعض، ونظرا لتعددها اخترنا  أكثرها شيوعا واستخداما وكانت كالتالي:

1. السرد القصصي:

يُعدّ منهج السرد القصصي من الأساليب الفعّالة في تنمية المهارات الاجتماعية المختلفة، حيث تُسهم القصص والروايات في التعرف على الانفعالات والمشاعر المتنوعة، وتعلّم كيفية التعامل معها بمهارة ، فمثلاً تهدف القصة الوطنية إلى غرس قيم المواطنة الإيجابية وفقًا لمعايير المجتمع، بينما يُسهم سرد السيرة الذاتية لشخصية ما في تسليط الضوء على قدراتها ومهاراتها، والطريقة التي اعتمدتها لتحقيق النجاح في حياتها، كما أن استخدام قصص مثل "الطفل العنيد" أو "الراعي الكذاب" يُبرز العواقب السلبية لبعض السلوكيات غير المرغوبة، ويُساعد الأطفال على النفور منها واكتساب العبرة، ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن السرد القصصي يساهم بفاعلية في تنمية المهارات الاجتماعية لدى كل من الكبار والصغار، ولا سيما الأطفال، الذين يكونون في مرحلة التقليد والمحاكاة، مما يجعل من القصص وسيلة تربوية مناسبة لتعزيز المهارات الاجتماعية المناسبة لهم(الدخيل الله، 2014).

2.التعبير الفني:

يُعدّ جوهر الفن متمثلاً في قدرة الأفراد على فهم الأحاسيس والمشاعر الإنسانية، والتعبير عنها بأساليب صحيحة ومؤثرة. فكل عمل فني، سواء أكان رسمًا، أو غناءً، أو تمثيلًا، أو إلقاءً شعريًا أو خطابًا، ينبثق من انفعال داخلي يُترجم بصورة فنية تعبّر عن تلك المشاعر. وفي السياق التربوي، يُوظّف الفن في المؤسسات التعليمية من خلال تنظيم فعاليات وأنشطة مرتبطة بمناسبات وطنية أو دينية، حيث يُمنح الطلاب الفرصة للتعبير عن ارتباطهم بتلك المناسبات بأساليبهم الفنية المختلفة. فقد يُبدع بعضهم لوحات فنية تعكس مشاعرهم تجاه الحدث، بينما يُنظم آخرون أبياتًا شعرية تمجّد الذكرى، في حين يلجأ فريق ثالث إلى التمثيل المسرحي لتجسيد المناسبة بأدوار متنوعة. ومن هنا تتجلّى أهمية الفن في تعزيز المهارات الاجتماعية لدى الطلبة باختلاف أعمارهم، حيث يُسهم في تنمية قدراتهم على التعبير الاجتماعي والانفعالي، ويعزّز مهارات التواصل، والتعاون، واحترام الآخرين وتقدير جهودهم. وبهذا، تصبح الأنشطة الفنية التربوية وسيلة فاعلة تسهم في تطوير الجانب الاجتماعي للطلبة داخل البيئة المدرسية(الدخيل الله، 2014).

3. اللعب:

لا يُعدّ اللعب مجرد نشاط ترفيهي يهدف إلى التسلية، بل يُمثّل ورشة تعليمية واجتماعية تُسهم بفاعلية في تنمية المهارات الاجتماعية لدى الطفل، فمن خلال اللعب، ينتقل الطفل من الإطار الأسري الضيّق إلى فضاء اجتماعي أوسع، ما يُتيح له فرصة استكشاف البيئة المحيطة، والتفاعل مع عناصرها بشكل أكبر، فلم يعد تواصله مقتصرًا على أفراد الأسرة، بل أصبح يتفاعل مع أقرانه من الجيران وزملائه في المدرسة، ويُتيح اللعب، سواء أُنجز بشكل فردي أو جماعي، المجال لاكتشاف الطفل لقدراته وإمكاناته، حيث تُبرز مواقف اللعب مهارات متعددة مثل التواصل، والمشاركة، والحوار، بل وحتى القيادة، ومن ثمّ، يُعدّ اللعب أداة فعّالة لتحسين العلاقات الاجتماعية، وتعزيز الثقة بالنفس لدى الطفل، ولهذه الأسباب، يُوصى بإدراج اللعب ضمن المناهج التعليمية في مختلف المراحل العمرية، لا سيما في مرحلة الطفولة المبكرة، بحيث تُوظّف الألعاب المناسبة لكل فئة عمرية لتسهم في تنمية المهارات الاجتماعية المنشودة(عبد الله، 2013).

4. تمثيل الأدوار:

عندما يقوم الفرد بتمثيل دورٍ ما، فإنه في البداية يسعى إلى فهم الموقف والتأقلم معه، ثم ينتقل تدريجيًا إلى محاولة تجسيد ذلك الدور بهدف تأديته بإتقان، وبغض النظر عن طبيعة المواقف التي يُمثّلها، فإن كل دورٍ يحمل في طيّاته مشاعر وانفعالات تعبّر عن الموقف ذاته، ويُعدّ أسلوب تمثيل الأدوار أحد الأساليب التدريبية الفعّالة في تنمية المهارات الاجتماعية، حيث يُساعد الفرد على تنمية مهارة التعاطف مع الآخرين؛ فمن خلال محاكاة موقف معين، يستطيع أن يشعر بما قد يشعر به الآخر عند وقوعه في موقف مماثل، بالإضافة إلى ذلك، يُسهم تمثيل الأدوار في تطوير مهارات التواصل اللفظي، مثل الحوار الفعّال، والتواصل غير اللفظي، كالإيماءات وتعبيرات الوجه ولغة الجسد، وبناءً على ما سبق، يُعتبر هذا الأسلوب أداة تربوية فعّالة تُسهم في تنمية المهارات الاجتماعية، وتجعل من تمثيل الأدوار نموذجًا معبّرًا عن قدرة الفرد على التعبير والتفاعل الاجتماعي البنّاء (الدخيل الله، 2014).

.5التعلّم التعاوني:

يُمكن توظيف أسلوب التعلّم التعاوني في تنمية مجموعة من المهارات الاجتماعية لدى الطلاب، مثل مهارة القيادة، وبناء الثقة الاجتماعية، وتعزيز التواصل الناجح، والحوار البنّاء، ويُعرّف التعلّم التعاوني على أنه نمط من أنماط التعليم يُقسَّم فيه الطلاب إلى مجموعات صغيرة، ويُكلَّف كل فرد داخل المجموعة بمهمة محددة يجب إنجازها بأفضل صورة ممكنة، بعد ذلك، تسعى كل مجموعة إلى مناقشة الموضوع المكلّفة به وتقديمه لبقية المجموعات، حيث يعرض كل فريق عمله ويقوم بتفسيره، ليُمنح في نهاية النشاط كل طالب تقييمًا فرديًا، بالإضافة إلى تقييم جماعي يُمنح للمجموعة ككل، ويُسهم هذا النمط من التدريس في خلق بيئة تعليمية تفاعلية، يتفاعل فيها الطلبة مع بعضهم البعض، مما يُعزّز مهاراتهم في التواصل، ويُنمّي قدرتهم على الإلقاء والتقديم، ويُحسّن من مستوى الحوار فيما بينهم، كما أن الطالب في هذا السياق يتلقى تعليمًا مزدوجًا؛ فهو يتعلم من زملائه، وفي الوقت ذاته يُعلّمهم ما لديه، مما يجعل من التعليم التعاوني أسلوبًا ناجحًا لا على المستوى الأكاديمي فقط، بل أيضًا كوسيلة فعّالة لتدريب الطلبة على المهارات الاجتماعية، ويوفر في الوقت ذاته للمعلم وسيلة ممتعة وجذابة لإيصال المحتوى الدراسي(الدخيل الله، 2014).

في الختام، يمكن أن نعتبر المهارات الاجتماعية هي الركيزة الأساسية لتكوين شخصية الطفل مستقبلا، ولا يقتصر دورها على الجانب الاجتماعي فحسب، بل له التأثير الكبير على الأداء الأكاديمي؛ فالطفل ذو المهارات الاجتماعية الجيدة قادر على التواصل مع زملاءه، وخاصة مع معلمه فيتبادل الحوار معه ويستطيع إيصال إجابته أو فكرته له بالشكل اللبق والجيد، على عكس الطفل الذي يفتقر لتلك المهارات فنجده خجولا، منطويا، وقد يكون ذو قدرات معرفية عالية، لكن عجزه في أداء المهارة الاجتماعية سيحول دون ذلك ؛ حيث لن يقدر على إيصال الإجابة بالشكل المطلوب، أو قد يخجل من زملاءه أثناء الاجابة فيستغني عنها، لذلك يتوجب على الأسرة والمدرسة تسليط الضوء على مهارات الاجتماعية وانتهاج الطرق والأساليب الفعالة لتحسينها وتطويرها والحد من مظاهر عجزها وقصورها.

المراجع:

الخفاف(2013)، الذكاء الانفعالي: تعلم كيف تفكر انفعاليا، دار المناهج للنشر والتوزيع، عمان ،الأردن.

الدخيل الله (2014)، المهارات الاجتماعية: تدريب وتمارين ومناهج تقييم، مكتبة العبيكان، الرياض، السعودية.

سلامة (2014)، الانتباه والمهارات الاجتماعية لدى الأطفال الذاتويين، مؤسسة طيبة للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر.

عبد الله (2013)، كيف تفهمين طفلك ، إبداع للترجمة والنشر والتوزيع.

 

أضف تعليقا