لن نتعرّض إلى مفاهيم كلمة - الحب - وحدودها، فأظنّ أنّ محمد صادق الرّافعي قد كفانا هذه المؤنة حين أوجز فقال : ( لا يصلح الحبّ بين اثنين إلا إذا استطاع أحدهما أن يقول للآخر يا أنا )، وقبله قال الإمام ابن القيم - في روضة المحبين- : ( الحبّ هو التقاء روحين في عالم الملكوت ) ....، ولن نغوص في أحكامه الشّرعية ولا مباحثه الفقهيّة، فقد كفاناها شمس زمانه الإمام ابن حزم حين جمعها في مقدّمة كتابه - طوق الحمامة - فقال : (اعلم -رحمك الله - أنّ الحبّ أوّله جدّ وآخره هزل، جلّت معانيه عن أن توصف فلا تعرف إلّا بالتّجربة، وليس بمحظور في الدّيانة ولا بممنوع في الشّريعة) ... وغرضنا من هذه الّلفتة ، أن نميط اللّجام و نزيح اللّثام عن ما يسمّى بـ: قصص الحبّ العالمية ...وهل تعدّ هذه الرّوايات فعلا قادرة على حمولة تلك الكلمة الثّقيلة - الحب -؟، بله أن يكون رقيّها إلى مستوى العالمية حقيقيا، وبعد أن نقوم بعرض سريع لها سننتبه إلى شيء مشترك بينها:
1- جولييت وروميو: رائعة وليام شكسبير الكاتب الإنجليزي(تـ 1616م ) : لبّ القصّة صراع بين عائلتين كبيرتين في إيطاليا، نتج عنه علاقة قوية بين المعشوقين، ثمّ الهرب والارتباط بعلاقة زوجية على رغم العائلتين، وكانت النهاية مأساويّة لسوء فهم بسيط أدّى إلى انتحار بطلي القصّة، واحد تلو الآخر.
2- كليوباترا ومارك أنطونيو: من إنتاج شكسبير كذلك؛ يتعرّض إلى ما يسمّى بالحبّ من النّظرة الأولى، والذي وقع فيه أنطونيو مع كليوباترا، وقد تزوّج قبلها أوكتافيا، ومن شدّة ولع هذا القائد بها أهمل شؤون الدّولة الرّومانية، فلامه حاكم روما - أوكتافيوس - ودخل معه في حرب، فوقفت كليوباترا إلى جانبه خائنة بذلك عشيقها، ثمّ أرادت أن تكفّر عن ذنبها فأرسلت إليه تخبره برغبتها في الانتحار، فجزع وقتل نفسه قبلها بسيف في بطنه، فحين سمعت بذلك شربت - سمّ الأفعى النّاشر - فلحقت به ميّتة.
3- لانسيلوت والملكة غوينيفر: وكانت زوجة للملك آرثر، نمت العلاقة بينهما في سريّة تامّة ثمّ قرّرا الهرب معا، فألقي القبض على الملكة، فحكم عليها بالإحراق لتهمة الزّنا، فعاد عشيقها لينقذها فقُبض عليه أيضا، وانتهى حكمهما إلى التّفرقة الأبدية بأمر من الكنيسة.
4 - نابليون و روز: وكان عمره 26 سنة، فتزوّجها وكانت تكبره سنّا وأمّا لطفلين، ويقال أنّه أحبّها كثيرا إلّا أنّه طلّقها بحجّة عدم القدرة على الإنجاب.
وغير هذه القصص كثير، إلّا أنّ تلك المذكورة هي أشهرها وأكثرها تجسيدا في الدراما والتراجيديا وغيرها، والملاحظ في جميع هذه القصص أنّ صحنها يدور حول: علاقات محرّمة، أو انعدام وفاء - كما في القصّة الثّانية - أو نهايات مأساوية مريعة، والمأسآة الكبرى أن توسم هذه بالعالمية، وتكون لها تلك الشّهرة وذلك الجمهور الغفير .........
بينما تكفي إطلالة واحدة على العصر الإسلامي ، تبهرنا بقصّة عجيبة أنتجت أحد عجائب الدنيا - السّبع - و هي قصّة : الشاه جاخان - الامبراطور الهندي المسلم - مع زوجته - ممتاز محل -، والّلذان كانا أسعد زوجين وأوفاهما على الإطلاق، وحين توفّيت زوجته شيّد لها ذلك القصر العظيم المعروف اليوم بقصر تاج محل وفاءا لذكراها، ودامت مدّة بنائه سبع عشرة سنة، تحت إشراف أكبر المهندسين في العالم، و زيّن محيط القصر بأحجار نادرة أتى بها من كلّ أنحاء العالم، والذي أضحى اليوم من أكبر المزارات الموجودة في العالم، والمخلّدة لأجمل قصّة حب مازالت تروي نفسها لغاية اليوم، بل تضرب لنا الحقبة الجاهليّة أورع الأمثلة و أنبلها في العفّة - الغائبة عن تلكم القصص العالميّة -، ولعلّكم تحفظون ما خطّه عنترة بن شداد قائلا :
وأغضّ طرفي إن بدت لي جارتي حتّى يواري جارتي مأواها
أو عفّة -كثير - التي تمنعه من الكلام مع -عزّة- إلّا برسول فيقول :
فقلت لها يا عزّ أرسل صاحبي إليك رسولا والرّسول موكّل
بأن تجعلي بيني و بينك موعدا وأن تأمريني بالذي فيه أفعل
وهذا جميل بثينة يجود بنفسه في مرض موته ويقول: " واللّه إنّي لأنتسب - أي أتغزّل - ببثينة عشرين سنة، وإنّي في آخر أيامي من الدّنيا فلا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه و سلّم إن وضعت عليها يدي بريبة قط.